Blog
هل نزن الناس بما نزن به أنفسنا؟
- يوليو 13, 2025
- Posted by: أ / سامح أبورحاب
- Category: Technology Uncategorized
لا توجد تعليقات

– قال تعالى : ( وَيۡلٞ لِّلۡمُطَفِّفِينَ) [ المطففيين : 1 ] ، لقد جاءت تلك الآية في مطلع سورة عُرفت بــ (سورة المطففين ) لتحمل مسمى ومضمون المعنى ، وهي السورة الثانية التي تحمل هذا الوعيد في بدايتها بعد سورة (الهمزة)، والتي بدأت بقوله تعالى : ( وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ ) [ الهمزة : 1 ] ، لمعالجة الانحراف الأخلاقي في بنية المجتمع. بينما بدأت سورة المطففين ببيان أحقية العذاب (ويل) لهؤلاء الذين يُبخسون الناس حقوقهم، وذلك لمعالجة الانحراف الاقتصادي في بنية المجتمع.
– ومن اللافت للنظر أن سورة المطففين جاءت في ترتيب النزول بعد فترة زمنية من سورة الهمزة، وكلاهما في المرحلة المكية، مما يعزز من أهمية معالجة الانحرافات الأخلاقية والاقتصادية في بداية مرحلة الدعوة.
– ولقد قيل في معنى (ويل): إنه العذاب الشديد، أي أن لهؤلاء عذابًا محققًا فيهم شديد، وقيل إن كلمة (ويل) هي اسم لوادٍ في جهنم، إذا أُلقي فيه الإنسان ظلّ سبعين خريفًا يهوى حتى يصل إلى القاع.
ولقد جاءت الآيات التالية لها في بيان المعنى العام للمطففين، حيث قال تعالى : ( ٱلَّذِينَ إِذَا ٱكۡتَالُواْ عَلَى ٱلنَّاسِ يَسۡتَوۡفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمۡ أَو وَّزَنُوهُمۡ يُخۡسِرُونَ ) [ المطففيين : 2 / 3 ] ، فهم بهذا المعنى الذين دائمًا ما ينتصرون لأنفسهم، ويأخذون فوق حقوقهم المشروعة عنوة، أما إذا أعطوا فإنهم يتعمدون أن لا يُعطوا إلا أقل من الحد المطلوب.
وجاء التشبيه برجلٍ له مكيالان، أحدهما يشتري به، ويتعمد أن يكون مكيال الشراء ضخم الحجم حتى يستوعب كمية أكبر مما ينبغي أن تكون وبنفس السعر، وعند البيع يستخدم مكيالًا أقل حجمًا ليتعمد أن يُنقص من المقدار الذي يجب أن يكون.
– والسؤال المتبادر هنا: هل التطفيف يكون في المكـيال والميزان فقط؟ أم يكون في أمور أخرى مثل نظم تعامل الأفراد والمجتمعات؟ لذا قال بعض أهل العلم: إن الآية ربما أشارت بصفة مباشرة إلى الأشياء الموزونة والتي تُكال، لأنها هي الأكثر انتشارًا، وهذا لا يلغي عدم وصف الأمور الأقل ظهورًا بهذا التطفيف .
– فقد يدخل ضمن طائفة المطففين هذا الموظف الذي يتأخر عمدًا، أو يفر مبكرًا من عمله، في حين يسعى ليستوفي أجره كاملًا أو إجازته كاملة دون نقصان، وقد يدخل ضمن هؤلاء المطففين هذا الذي يريد أن يتلقى معاملة معينة رفيعة المستوى من الآخرين نحوه، بينما هو لا يقدم تلك المعاملة إلا بصفة محدودة.
– ولذا جاء حديث الرسول صلى الله عليه وسلم : ( هذه هذه، فمن أحب أن يُزحزح عن النار ويدخل الجنة، فلتأته منيّته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر، وليأتِ إلى الناس الذي يحب أن يُؤتى إليه ) [ صحيح مسلم ] . ففي هذا الحديث يتم وضع نظم المعاملة على كفتي الميزان، بحيث لا يتعرض الإنسان للتطفيف في الميزان أو المعاملة ، فكان ( وليأتِ إلى الناس الذي يحب أن يُؤتى إليه ) .
– والحقيقة أن أمر المطففين هذا لا يُعد سهلًا أبدًا، ليس فقط لأن السورة بدأت وهي تجزم أن لهم الويل في جهنم، ولكن لأن السورة أيضًا في باقي حديثها تحدثت عن فئتين من الناس، وهما: (الفُجّار والأبرار)، حيث قال تعالى: ( كَلَّآ إِنَّ كِتَٰبَ ٱلۡفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٖ ) [ المطففين : 7 ] ، وقال – سبحانه وتعالى – أيضًا في معرض السورة ( كَلَّآ إِنَّ كِتَٰبَ ٱلۡأَبۡرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ ) [ المطففين : 18 ] ، هذا فضلًا عن أن السورة جاءت بين سورتي الانفطار والانشقاق، اللتين تُبيّنان لنا عظيم ما يحدث عند قيام الساعة.
– وفي ختام هذا التأمل في سورة المطففين، يتبادر سؤال مهم: هل نزن تعاملاتنا بعدل، أم نميل لكفة أنفسنا؟
فالتطفيف لا يقتصر على الكيل والميزان، بل يشمل كل صور الظلم في المعاملة، كمن يطلب حقه كاملًا ولا يعطي غيره إلا ناقصًا.
فلنراجع أنفسنا:
هل نحب للناس ما نحب لأنفسنا؟
هل نحن من الأبرار أم من المطففين؟
فلنكن من الذين يعدلون في كل شيء، لنكون ممن كُتب لهم “عليّين”، لا ممن وُعدوا بـ”سجين”.
ابدأ من اليوم… وعامل الناس بالميزان الذي تحب أن تُعامل به.