مصر بين الفرعونية والإسلامية … لماذا هذا الاختلاف يهمك .
- فبراير 7, 2022
- Posted by: أ / سامح أبورحاب
- Category: جغرافية ,
لا توجد تعليقات
مصر بين الفرعونية والإسلامية… لماذا هذا الاختلاف يهمك شخصيًا ؟
——————————
قد تتساءل: كيف يمكن لمصر أن تكون فرعونية وإسلامية في آن واحد؟
هذا السؤال أصبح أكثر وضوحًا مع افتتاح المتحف المصري الكبير، حين استغل بعضهم الحدث للحديث عن هوية مصر ، وكأن بين الفرعونية والإسلامية تناقضا أو صراعا خفيا .
غير أن التأمل الهادئ في معنى المصطلحين يكشف أنهما لا يتنافيان، بل يتكاملان. لفهم هذا التكامل ، يمكن النظر إلى ما جاء في القرآن الكريم : ﴿مَنِ اهْتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا﴾، وإلى قول النبي صلى الله عليه وسلم: «إنَّ اللهَ خلق آدمَ من قبضةٍ قبضَها من جميعِ الأرضِ، فجاء بنو آدمَ على قدرِ الأرضِ، جاء منهم الأحمرُ والأبيضُ والأسودُ، وبين ذلك والسهلُ والحَزْنُ، والخبيثُ والطيب».
فالحديث النبوي يبيّن أن اختلاف الناس في ألوانهم وطبائعهم من سنن الخلق، بينما تشير الآية إلى أن الاختلاف الحقيقي يكون في العقيدة والهداية.
وتشير الدراسات الأنثروبولوجية إلى أن السلالات البشرية الأصلية التي تكوّن منها المجتمع المصري القديم تنتمي في معظمها إلى سلالة البحر المتوسط والسلالة الجيزاوية، ولكلٍ منهما خصائص هيكلية ولونية مميزة، بما يتوافق مع ما جاء في الحديث النبوي. وهذا التنوّع العرقي أسهم في تكوين الشخصية المصرية المتوازنة التي تميل إلى الاستقرار والتسامح والانفتاح على الآخر.
ثم جاء الإسلام ليكمل هذا الميراث الإنساني، فهو لم يمحِ تاريخ مصر قبل قدومه، بل أعطاه بعدًا جديدًا من التوحيد والعدل والرحمة، ورفع من قيمه وأخلاقياته .
وهكذا لم تفقد مصر ماضيها حين اعتنقت الإسلام ، بل أضافت إليه بُعدا إيمانيًا جعل من حضارتها حلقة متصلة من الإبداع الإنساني الممتد عبر العصور.
ومن هنا نفهم أن الفرعونية تشير إلى الأصل العرقي والجذور الحضارية التي كوّنت الشخصية المصرية ، أما الإسلامية فترتبط بالعقيدة والمنهج الذي اختاره المصريون لأنفسهم منذ أكثر من أربعة عشر قرنا.
ومن ثمّ يمكن القول إن مصر كانت فرعونية الجسد ، إسلامية الروح ، ممتزجين في نسيج واحد يصعب فصله.
ومن هنا نكتشف أن من يركز على الفرعونية يكتفي بالانبهار بالماضي من غير أن يتأمل جوهره العلمي والعملي ، وكأن عظمة الأجداد تكفي بغير جهد الحاضر ، ومن يركز فقط على رفع الشعارات الدينية للإسلامية قد يغفل عن قيمة التاريخ والحضارة التي ساهمت في تشكيل المجتمع المصري على مر العصور.
ولو أن كلا الفريقين نظر إلى الآخر بعين الاعتدال لأدرك أن الدين لا يلغي الجذور ، كما أن الانتماء إلى أصل حضاري لا يتعارض مع الإيمان بعقيدة الإسلام .
ولا شك إن الافتخار بالأصول نوع من أنواع العلوم المعروفة عند العرب ، حتى أنهم وضعوا علما يعرف بعلم الأنساب ، ولا يعيب صاحبه كون من سبقه كان على حق أو على باطل ، إنما يحدد مقدار الشخص معتقده الذي يكون عليه .
قال تعالى : ” وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ “
إنّ الفخر بالأصل جزء من معرفة الذات ، والاعتزاز بالعقيدة مظهر من مظاهر الشكر لله ، ولا تناقض بينهما ما دام كلاهما محكوما بالتواضع والوعي والمسؤولية .
فمصر، التي جمعت في تاريخها بين عبقرية المكان وعمق الإيمان ، لا يمكن حصرها في تعريف واحد.
هي فرعونية في أصلها الإنساني، إسلامية في وجدانها وعقيدتها، عربية في لسانها، وإنسانية في رسالتها.
ومن هذا التعدد تنبع قوتها وهويتها التي لا تلغي ماضيها ولا تنفصل عن حاضرها ، بل تمتد متماسكة في مسيرة التاريخ كله.
هكذا الفرعونية والإسلامية ليستا متناقضتين، بل تكملان بعضهما.
اسأل نفسك: ما الذي يجذبك أكثر في هذا المزيج ؟ وكيف يمكن لهذا الفهم أن يغيّر نظرتك إلى نفسك ومجتمعك؟